كتب / مصطفى بن خالد
لندن. 24/12/2024
طالعني أحد الباحثين الأفاضل بمنشور منقول من أحد المراجع يذكر نسب ( ذيبان بن عليان بن أرحب ) (جد جاهلي) الأمر الذي أثارني حفيظتي للكتابة في هذا الموضوع المهم الذي أفترى فيه الرواة باطلاقهم مصطلح (جاهلي) على حقبة ما قبل الإسلام والحقيقة أن هناك ضرورة لمراجعة النصوص والمصطلحات التي ظلوا يرددوها لقرون في كتاباتهم، بدقة واحترافية، مع مراعاة السياقات الحضارية والتاريخية. فيما يتعلق بمصطلح “الجاهلية”، هو مصطلح أطلق في سياق تعصب إسلامي للإشارة إلى الفترة الزمنية التي سبقت بعثة النبي محمد ﷺ، والتي كانت تتميز ببعض من مظاهر الانحرافات العقائدية والاجتماعية، وليس الغرض منه التقليل من شأن كل من عاش في تلك الحقبة أو إنكار إنجازاتهم .
إعادة صياغة النص باحترام
للإرث اليعربي اليماني العظيم:
اليمانيون كانوا ولا يزالون شعباً عظيماً، يحمل إرثاً حضارياً مشرفاً يمتد عبر العصور. لم يكن تاريخهم قبل الإسلام “جهلاً” بمعنى انعدام العلم أو الحضارة، بل كانوا أهل علم ومعرفة وعمران وحكمة. يكفي أن القرآن الكريم ذكر عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد ، ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، سبأ العظمى وقصتها كأحد أروع النماذج للحضارات المتقدمة، تلك التي أنعم الله عليهم، بجنان ليس لها مثيل في الدنيا وأمرهم بالعبادة والشكر، كذاك الملكة العظيمة بلقيس التي أعتمدت أول نظام مدني شوروي في التاريخ الإنساني،
“قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ( 32 ) قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين”
وبرغم قوتها وبأس قومها إلا أنها استجابت لدعوة السماء مع زوجها تُبع ملك همدان الذي أصبح ملك الجزيرة اليعربية اليمانية كافة وتتابع الملوك من بعده الذين ملكوا الأرض شرقها وغربها وشمالها وجنوبها وسادوا العالم القديم بأسره .
الحقائق الحضارية والتاريخية لليمنيين قبل الإسلام:
1- الإيمان برب سماوي:
ظل اليعربيون اليمانيون يبحثون عن الله في السماء منذوا الأزل، في الشمس والقمر والنجوم وعبدوا الله ذو سماوي ثم عبدوا الله وأمنوا بالأديان كاليهودية والمسيحية، بغض النظر عن وثنية شاعت لدى بعض القبائل برغم أن الهدف كان هو الله الخالق الواحد ذو القوة الخارقة .
*في نجران، عاش مجتمع مسيحي متقدم بشهادة التاريخ، وكان له أثر في نشر رسالة التسامح والإيمان كذلك أنتشر قبله الدين اليهودي وعم الارجاء اليعربية.
2- البناء والعمران:
الحضارة اليعربية اليمانية قدمت للبشرية نماذج معمارية مذهلة مثل سد مأرب، الذي كان أعجوبة هندسية في زمانه كذلك قصر غمدان الذي يعتبر تحفة معمارية فريدة تروي عبقرية اليعربين في البناء، مما جعله أقدم القصور الملكية في التاريخ، وكان يتكون من 20 طابقاً كأول برج متعدد الطوابق في العالم، كما خطوا السواقي وبنوا الصهاريج ولازالت (صهاريج عدن)شاهد آثري يخطف الأبصار ويذهل العقول، كما نحتوا الصخور وبنوا المدرجات الزراعية على ظهور الجبال الشاهقة واستصلحوا الأرضي، محولين بلادهم إلى جنان خلابة ليس لها مثيل في العالم القديم.
إلى درجة أنها أشتهرت (بالعربية السعيدة)، كما أطلق عليها المؤرخون الأغريق
3- التحكم بطرق التجارة العالمية:
التجارة اليمانية عبر القوافل كانت شريان حياة في جزيرتهم والعالم بأسره، لقد خطط اليعربيون الطرقات في الجبال والصحاري،وآمنوا مسالكها وجعلوا لها محطات تجارية عمرانية ومجتمعية بأنداب الكثير من القبائل اليعربية لحمايتها، لقد كانوا شريان الحياة الاقتصادية للعالم القديم .
4- القيم والمبادئ:
• كان اليمنيون يتميزون بالقيم النبيلة مثل الكرم، الشجاعة، الوفاء، والنخوة، والنجدة وإغاثة الملهوف وأنصاف المظلوم وهي صفات أثنت عليها رسالة الإسلام ورفعتها إلى مراتبها العليا وكملها نبيها ﷺ
بقوله
“انما بعثت لاُتمم مكارم الاخلاق”
اليمن في الإسلام:
كان لليمنيين دور ريادي في نصرة الإسلام منذ بداياته، فقد أووا رسول الله ﷺ، ونشروا رسالة الإسلام في أصقاع العالم. يكفي أن الأنصار الذين نصروا النبي وحموه وأزروه هم من القبائل اليمانية (الأوس والخزرج).
كما أن اليمانيون آمنوا برسالة واحدة من النبي محمد ﷺ
يقول تعالى
“إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
(1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا”
ويقول النبي ﷺ
“إذا جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم ، لينة طباعهم ، سخية قلوبهم ، عظيمة خشيتهم ، فدخلوا في دين الله أفواجاً”
ودخلت قبائل همدان الاسلام في يوم واحد
حيث قال النبي ﷺعندما وصلت إليه رسالة الأمام علي يبشره
” السلام على همدان السلام على همدان”
بعد الإسلام،
كانوا هم الفاتحون :
كان اليعربيون أول من حمل راية الفتوحات الإسلامية، ناشرين رسالة العروبة والاسلام إلى كل أصقاع المعمورة، لقد أسهموا في بناء حضارة عظيمة في البلدان الجديدة، مضيفين اليها القيم والشيم والاخلاق اليمانية النبيلة.
حول مصطلح الجاهلية:
• مصطلح “الجاهلية” في الإسلام لم يكن يشير إلى انعدام العلم أو الحضارة، بل إلى الانحراف العقائدي والاجتماعي في بعض الجوانب، هذه “الجاهلية” لم تكن تعني أن كل الأفراد أو كل المجتمعات كانوا على ضلال، بل كانت هناك قيم وشيم يعربية عظيمة بقيت وتجذرت وأثنى عليها الإسلام.
البديل المقترح:
يمكن استخدام عبارات أكثر دقة تاريخياً وحضارياً :
“فترتين ”.
“عصر ما قبل الإسلام”.
“عصر ما بعد الاسلام”
الخلاصة:
اليمنيون، بأجدادهم العظماء وحضارتهم الفريدة، لم يكونوا “جهلاء”، بل كانوا بناة حضارة عظيمة، حملوا مشاعل العلم والقيم والاخلاق والمدنية والدين، وأسهموا بفاعلية وتفرد في بناء العالم العربي والإسلامي فيما بعد.
النصوص التي تشير إليهم يجب أن تبرز هذه الحقيقة المشرقة بتفصيل وإجلال واعتزاز.
أنهم أصل العروبة وهويتها ومجدها التليد
ومخزونها الحضاري الثقافي والآثري والأخلاقي والإنساني .
اليمنيون :
هم صفاء الكون وبهاؤه ونقاؤه وبقاؤه، وحاملوا إرث حضاري عريق لا يزال يلهم العالم.
هذا ،،،
والله من وراء القصد