الكاتب والمخرج / سمير المذحجي
١- الدراما اليمنية خارج أسوارها .
من اوجه الغرابة …أن ابرز الأعمال الدرامية لهذا العام إتخذت البيئة القروية مواقعا لتصوير أحداثها ، والأغرب من ذلك واحدية الجغرافية التي جمعتها ( جزء صغير ومحدد من ريف تعز )
إختزال نصف مليون كيلومتر مربع ( مساحة اليمن ) في تلك المواقع ليس هو فحسب ما يعيب على تلك المسلسلات بل إجماعها على أن الشعب اليمني لم يغادر بعد قرويته وبأن المواطن اليمني محكوم إلى اليوم بمضاهر الحياة الغابرة وطقوسها ولم يخلع عن نفسه غطاء الإنسان البدائي… إلخ ، وما يؤكد على ذلك العديد من السلوكيات التي تضمنتها المشاهد ومنها :
— في مسلسل درة يظهر بطلان تتزاحم اصباعاهما في علبة صغيييرة على لحس ( لعق ) عسلاً – كان على الأقل أن يستعمل كل من البطلين عوداً بدلاً عن الملاعق .
— في مسلسل طريق إجباري يظهر أبطال العمل يخرقون قواعد وآداب زيارة المرضى بالمستشفيات وينتهكون حق المريض في الهدؤ والسكينة إذ اتخذوا مع المخرج غرفة رقود المريض مسرحاً للشجار ولعدة مرات .
— في مسلسل دروب المرجلة يلاحظ إقحام شخصيات ثانوية لا وظيفة لها ، وحين ظهر الطفل ببالطو الطبيب يعبث بالسماعة على بطن مصاب إخترقت الرصاصة قلبه وجب التعامل مع وضعه بحذر شديد – بدأ ذلك حشوا لدرجة أن الكاتبين تعاملا معه كأنه في برنامج يعنى بموهب البراعم !
وهنا يفرض السؤال نفسه: هل قيام الطفل بذلك العمل المفتعل يؤسس لما بعده من أحداث ؟ الإجابة وبكل تأكيد لا لا لا .
٢-الدراما اليمنية والتطبيع !!!
كجبال اليمن – حجماً
ونجوم السماء – عدداً
هي القضايا الإجتماعية والمشاكل العائلية والهموم الحياتية التي أنتجتها الحرب خلال العقد الماضي ، وبدرجة عالية من الوضوح ليراها الأعمى ، ويسمعها الأصم ، ويتكلم عنها الأبكم ويستوعبها المجنون …
كل هذه القضايا والمشكلات المتفرعة عنها تشكل موردا خصباً لمضامين درامية فعالة ومؤثرة ، تغري كل القائمين على الفضائيات ويسيل لها لعاب المنتجين المنتمين لهذه الأرض ، وبذلك يحصدون رضى وإحترام الجمهور اليمني المتجرع لعلقم الواقع واجاجه – بيد أن أرباب الفضائيات و القائمين عليها وعلى الإنتاج الدرامي :
1- مايزالون في تقمصهم لدور ( حراس البوابة ) محكومين بعقليات الألفية الماضية ويوغلون في فكرهم التقليدي الذي لم يعد له مكان في عالم اليوم .
2- نجدهم مصرين على تجاوز الواقع المعاش من خلال نوعية المضامين التي تتصدر إنتاجاتهم الدرامية والتي تتنافر مع واقع الشعب اليمني وتتصادم مع إهتماماته ورغباته .
3- بهكذا محتوى ومضامين ، يلاحظ أن حراس البوابة للرسالة الإعلامية في الفضائيات اليمنية يحاولون عبثاً { تطبيع الحياة والضروف المعيشية للمواطن اليمني } وهو أساساً مايزال قابعا بين مطرقة حرب ساخنة وسندان اخرى باردة – برودتها أقسى وأخطر من سخونتها .
ورحمة الله تغشى روح الشهيد عبدالفتاح إسماعيل إذ أقتبس عنه وبتصرف :
[ تبقى الدراما فاقدة المضمون ، ركيكة التأثير إن لم تكن من أجل الشعب ] .
٣- لقب المخرج ( بين حامل ومحمول )
{ الرؤية }- واحدة من ابرز المصطلحا إلتصاقا بالمخرج فيقال رؤية المخرج ، رؤى إخراجبة تميز كل مخرج عن الاخر ، تدخل في تكوين شخصيته وسماتة الفكرية ..
أما العاجز عن تكوين الرؤى فلا يحق له حمل لقب المخرج – لا مخرج بلا رؤية ..
فماذا يعني تمتع المخرج بالرؤى ؟!!!
بعد قرائته للقصة والسيناريو الادبي وإلمامه بكل التفاصيل ، وحين يجدها قد إستوطنت فكره ووجدانه وحضيت بقناعته فأنه سينتقل بتفاعله إلى واحدة من أهم المراحل الكتابية للمسلسل والمتمثلة بالاتي :
إعداد وتصميم السيناريو التنفيذي – وهذا مايعجز عنه معظم مخرجي الدراما اليمنية ليضعهم في دائرة المتطفل على مجال الإخراج ، ذلك أن السيناريو التنفيذي يشكل عنصر الإخراج بعينه ، يرسمه المخرج ويخطه على الورق قبل مايصبح لاحقا على شاشة التلفاز ، بينما المخرج المتطفل فيكتفي بالسيناريو الاولي ليقوم بتصويره بكل نواقصه وعواهنه لدرجة ان بعض المخرجين يخصعون لإملاءآت المنتج بما يخص إختيار الممثلين فيقتصر دورهم في عميلة تصوير المشاهد والأنكى من ذلك عدم تواجدهم وإشرافهم على عملية المونتاج
- السيناريو التنفيذي ياسادة هو خارطة طريق بكل تفاصيله وزواياه ومن الأفضل أن يتم توزيعه على جميع الممثلين لما لذلك من فعالية وتجعل المخرج متفرغا لمتابعة أدائهم ومساعدتهم في بلوغ أقصى درجات التجسيد والتقمص لأدوارهم ، وبالتأكيد فإن المرونة ستجعل المخرج يقترح عليهم العديد من التعليمات المتعلقة بلغة الجسد والإستغناء عن الحوار متى ماتوفق الممثل بجعل وجهه وجسمه يتكلمان بدلا عن فمه ، محققا بذلك أعلى درجات الرضى والإقناع لدى الجمهور .
٤- الأقلية الدرامية !!!
تعظيم سلام لكل القائمين على الفضائيات اليمنية ، والشعب اليمني إذ يشكركم على طبخاتكم الدرامية وحرصكم على التفرد بمحتواها ومضامينها من خلال المبهرات التالية :
1- المزاوجة بين ( الإتصال والإنفصال ) عن الواقع .
نجاح القائمين على الفضائيات ومسئولي الإنتاج الدراااااامي فيها بالجمع بين هذين النقيضين ، فقد إكتشفوا أنهم يمثلوم ( أقلية ) في اوساط الشعب اليمني ، وأن الغرب ومنظماته الدولية يحمون الأقليات ويدعموها ، الأمر الذي يشجعهم على أن يكون المحتوى والمضامين الدرااااامية [ متصلة ] بواقعهم المترف خارج الوطن ، و[ منفصلة ] عن كارثية الواقع المعيشي والإنساني لجل الشعب اليمني .
2- منح المحتوى والمضامين أجنحة مخملية لتحلق بالمشاهدين المطحونين في رحلة إغتراب زماني ومكاني ، وحصرهم في وعاء نفسي تحت رحى التيه والهذيان ليزدادوا تهشما وتشوها جراء عجزهم عن مجاراة المحتوى الذي يتجرعوه والواقع البائس .
3- رغم تأكد المنتجين/ ارباب الفضائيات بأن أعمالهم ماتزال تصارع عبثا من أجل تجاوز ابجديات العمل الدرامي ، إلا أنه حين يتم إخضاعها لعمليات التقييم والنقد الفني من متخصصين بهذا الفن فإن المنتجين لها يعتبرون ذلك تجنيا عليهم وإساءة لهم كأقلية لتتعالى اصواتهم عند ابواب حماة الإقليات بشكوى أنهم مستهدفين بالتنمر 😴
٥- درامية دوستوفيسكي…..
- عن الدراما اليمنية أتحدث –
نتيجة لإهتمامي بهذا الموضوع فقد أعادني شريط الذاكرة إلى مطلع هذه الألفية ( زمانيا ) والى روسيا ( مكانيا ) حيث كنت أدرس حينها .. فوجدت نفسي واقفا في حظرة جلالة مفكرها وكاتبها العظيم (فيودور دوستوفيسكي) ليعيد تذكيري بما استشرفه عن واقعنا الحالي قبل مايقرب من قرن ونيف بقوله { سيصل العالم إلى زمن يمنع فيه الأذكياء من التفكير حتى لايسيئوا إلى الحمقى } وقد يتحقق المنع في عدم الإكتراث بما يصدر عنهم..
أما بمقولته الثانية فلم يستثنين بل شمل بقية النقاد والمحللين للدراما اليمنية امثال ( الدكتور قائد غيلان ، الدكتور إسماعيل عبدالحافظ ، منيره الامير ، منير الحاج ، حسن باحريش ومحمد المذحجي و….. إلخ)
إذ يقول لنا دوستويفسكي أن : ( الوعي والإدراك إنفراد لا يمتلكه الكثيرين ولكنه في حد ذاته مشكلة وعذاب لصاحبة ، فأنت تفهم ما يدور حولك على حقيقته ويصعب خداعك )…. ولكوننا كنقاد متمتعين بالوعي والإدراك لكل تفاصيل العمل الدرامي ونفهمه على حقيقته فيصعب خداعنا ولا بأس بما يعترينا من عذاب مبعثه الغيرة على تدني مستوى هذا الفن بينما نحن قادرون على تجويده وتخليصه من تلك العيوب .
يؤكد لنا دوستويفسكي أن الهدف الذي نهتم بتحقيقه كنقاد ومحللين وهو [ الارتقاء بالدراما اليمنية ] كان من الأولى أن يتصدر إهتمام مسئولي الفضائيات ومنتجي ومنفذي الدراما إلا أن ذلك لا ولن يتم !!!!! ثم يبادر مخاطباً هؤلاء المسؤولين وناصحا لهم بمقولته : ( لاتحكم على كل يوم بالحصاد الذي تجنيه ، بل بالبذور التى تزرعها ) وكأنه بذلك يتابع إصرارهم على الإهتمام والتمسك بالمردود المادي وإهمالهم لجودة ماينتجون من هذا الفن ، ولايكترثون بإهتمام النقاد على تجويده .
عشنا وشفنا
ورحمة الله عليك يادوستوفيسكي .
٥- خلاصة الموسم الدرامي .
في لعبة كرة القدم يتم وصف المشجعين باللاعب رقم 12 , بيد انه في مجال الدراما لاينطبق هذا الوصف على المشاهدين (لاسيما المحللين والنقاد الفنيين) لان كل إنسان مؤدرم بطبيعة الحال ، فهو صانع للدراما ولاعب فيها منذ ولادته وحتى مماته , بينما كرة القدم تخص قلة من الناس …
مايلاحظ على الدراما اليمنية بصورة عامة إهمالها لتفاصيل البيئة الدرامية ( ليس المحيطة فحسب ) بل تلك القابعة في قلب دائرة الحدث الدرامي كجزئيات لايمكن فصلها عن مكونات هذا ( الفعل ) وفي مقدمتها ( الفاعل ) وتحديدا الشخصيات الرئيسية / أبطال العمل
فمن خلال أبرز مسلسلات هذا العام فقد لوحظ للأسف الشديد انه يتم تجريدهم من أغلب سمات وخصائص الشخصية من خلال تجاهل تلك التفاصيل المهمة التي وإن لم يفكر بها كاتب القصة وأغفلها من بعده السيناريست فلا ينبغي للمخرج إهمالها وبالمقابل يؤخذ على الممثلين اليمنيين ( إلا ماندر منهم ) قبولهم بلعب دور تلك الشخصيات ( منزوعة السمات ) ممايؤدي الى أحداث درامية منزوعة المنطق , عديمة المصداقية وغير مقنعة للمشاهدين والنتيجة الطبيعية هي أن تتصدر ( السطحية والبدائية ) قائمة الاحكام حول هذا المسلسل او ذلك – لقد خبرت ما أثار دهشتي وإستهجاني من بعض المنتجين والمخرجين في تعاملهم معها على أنها تفاصيل صغيرة لايؤثر غيابها على مسار الأحداث معتقدين أن المشاهدين لن يتمكنوا من إكتشاف غيابها …..
لايسعني هنا إلا مخاطبة كل كاتب وسينارييت ومخرج وممثل مؤكدا لهم أن كل إنسان هو { مؤدرم } لبيب قادر اثناء مشاهدته لاعمالكم على كشف إستغفالكم له ويشعر بتلك الفذلكات التى من خلالها تستخفون بذهنيتة وإستغلال جهله وأميته في مجال غير مشمول بها ( الدراما )…..
وباسلوب السيد محمد الحسني انهي كلامي ناصحا كل واحد من هولاء النفر :
جهز نفسك و إعدد عهدك وإحزم حقيبك وكف عن التطفل في مجال الدراما… فنحن هنا حيث نفهم ونسمع ونرى .