منافسة تلوح في الأفق بين رئيسين وأميريكتين

وهج نيوز/ متابعات

تبدو المعركة الانتخابية المحتملة في الانتخابات المقبلة بين بايدن وترمب كصراع بين رؤيتين مختلفتين جذرياً لمستقبل البلاد   
تتمحور القضية الرئيسة حول رؤيتين متناقضتين بصورة كبيرة للولايات المتحدة الأميركية، يقودهما رئيسان يختلفان في كل شيء تقريباً باستثناء أعمارهما وأحدث وظيفة قاما بها .

عرف كل منهما معنى الجلوس خلف المكتب البيضاوي. صاغا القوانين، عيّنا القضاة، تفاوضا مع قادة الدول الأخرى، وأعطيا الأوامر للقوات المسلحة للمشاركة في العمليات الحربية. كل واحد منهما تذوق معنى أن يكون الشخص الأكثر نفوذاً في العالم.
لكن المنافسة بين جو بايدن ودونالد ترمب في الانتخابات العامة، والتي تبدو أكثر احتمالاً بعد الانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامبشير هذا الأسبوع، تتجاوز، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، كونها مجرد مواجهة بين شخصين سكنا البيت الأبيض. إنها تمثل معركة بين نمطين مختلفين من القيادة، بين رئيس يمثل الولايات المتحدة الديمقراطية وآخر يمثل الولايات المتحدة الجمهورية.
هذه المواجهة تتخطى الخلاف التقليدي بين اليسار الليبرالي واليمين المحافظ الذي شهدته الولايات المتحدة عبر أجيال عدة. وتتابع الصحيفة: بالطبع يتعلق الأمر جزئياً بالأيديولوجيا، لكن المواجهة في جوهرها تشمل أيضاً قضايا مثل العرق والدين والثقافة والاقتصاد وأسس الديمقراطية والرغبة في الانتقام، وربما الأهم من كل ذلك، قضايا الهوية.
تتمحور القضية الرئيسة حول رؤيتين متناقضتين بصورة كبيرة للولايات المتحدة الأميركية، يقودهما رئيسان يختلفان في كل شيء تقريباً باستثناء أعمارهما وأحدث وظيفة قاما بها. “نيويورك تايمز” رأت أن الرئيس بايدن يمثل نسخة من أميركا التي تحتضن التنوع وتقدّر المؤسسات الديمقراطية والأعراف التقليدية وتنظر إلى الحكومة كقوة خيرية في المجتمع في أحسن الأحوال. لكن في المقابل، صورت أميركا التي يراها ترمب مثل مكان يعاني التآمر والفساد وحيث تُقدم الامتيازات للأشخاص غير المؤهلين على حساب المواطنين العاديين الذين يعملون بجد.
لا يمكن القول إن الانقسامات العميقة داخل الولايات المتحدة هي ظاهرة حديثة، فجذورها ربما تعود إلى الأيام الأولى للأمة، كما حدث أثناء المؤتمر الدستوري والتنافس السياسي بين جون آدامز وتوماس جيفرسون. ومع ذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن الانقسام الحالي بلغ درجات لم تشهدها البلاد من قبل، بحيث تزداد الفجوة بين الولايات المتحدة الديمقراطية والجمهورية، ليس فقط من الناحية الجغرافية والأيديولوجية، بل أيضاً في الجوانب المالية والتعليمية وفي طريقة حصول كل طرف على المعلومات.

المواجهة بين ترمب وبايدن في جوهرها تشمل قضايا مثل العرق والدين والثقافة والاقتصاد وأسس الديمقراطية والرغبة في الانتقام، وربما الأهم من كل ذلك، قضايا الهوية (أ ب)
الأميركيون ليسوا مختلفين في الرأي فحسب، بل إنهم يعيشون في عوالم مختلفة، تدعمها فقاعات من مواقع الإنترنت وما تحتضنه من مصادر للمعلومات. الاعتداء على مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، على سبيل المثال، كان عملاً تمردياً شنيعاً يهدف إلى الاستيلاء غير الديمقراطي على السلطة عبر فاشية ناشئة برأي بعضهم، في حين كان تظاهرة مشروعة تخطت حدودها وتم توظيفها من قبل الطرف المعارض لتشويه صورة الوطنيين وجعلهم كبش فداء برأي البعض الآخر.
أما عن الأطر القانونية المتعلقة بالإجهاض والأسلحة النارية وغيرها، فأصبحت الانقسامات السياسية راسخة في 44 ولاية إلى الحد الذي يجعلها تتماشى بصورة أساسية مع واحدة من اثنتين من الأيديولوجيتين الأميركيتين المتميزتين في سياق انتخابات الخريف. لذا، فإن سكان هذه الولايات بالكاد سيستمعون إلى ما سيقوله أحد المتنافسين على الرئاسة، مما سيدفع المرشحين إلى تركيز جهودهم في المقام الأول على الولايات الست المتأرجحة التي تقوم بدور حاسم في تحديد نتيجة السباق الرئاسي.
“نيويورك تايمز” رأت أنه في ظل مجتمع أصبح أكثر انقساماً على أسس قبلية، يقوم الأميركيون بتأطير خلافاتهم من خلال مصطلحات شخصية على نحو متزايد. فعلى سبيل المثال، منذ انتخاب ترمب عام 2016، تظهر البيانات الصادرة عن “مركز بيو للأبحاث” Pew Research Center ارتفاعاً كبيراً في عدد الديمقراطيين الذين يعتبرون الجمهوريين غير أخلاقيين، فقفزت النسبة من 35 في المئة إلى 63 في المئة. وفي المقابل، ينظر 72 في المئة من الجمهوريين الآن إلى الديمقراطيين بالنظرة نفسها، وهي زيادة كبيرة عن 47 في المئة. وبالعودة لعام 1960، أعرب حينها أربعة في المئة فقط من الأميركيين عن استيائهم من فكرة زواج ابنهم من شخص من الحزب السياسي المعارض. وبحلول عام 2020، تصاعدت هذه المشاعر إلى ما يقارب 40 في المئة من السكان. واليوم، أصبحت حالات الزواج بين الجمهوريين والديمقراطيين نادرة للغاية، إذ تشكل حوالى أربعة في المئة فقط .

يذكر أن الاستقطاب الحالي يمثل التحول الأبرز في الولاءات السياسية منذ سيطرة الجمهوريين على ولايات الجنوب وتأمين الديمقراطيين لتلك التي في الشمال بعد إقرار قوانين الحقوق المدنية في الستينيات. الصحيفة الأميركية رأت أنه بعد انتخابه، أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري ليصبح حزب الطبقة العاملة من البيض، المتجذر بقوة في المناطق الريفية والمناهضة للعولمة. وفي الوقت نفسه، أصبح الحزب الديمقراطي بقيادة بايدن يستقطب بصورة متزايدة أولئك الذين يتمتعون بمستويات تعليمية واقتصادية أكبر، وغيرهم ممن استفادوا من التقدم في عصر المعلومات.
“نيويورك تايمز” رأت أن الظروف الحالية لا مثيل لها في تاريخ الولايات المتحدة، مع وجود حالتين فقط تنافس فيهما رؤساء سابقون في الانتخابات. عام 1892، هزم غروفر كليفلاند الرئيس بنيامين هاريسون، وعام 1912 أدت محاولة ثيودور روزفلت لإقالة ويليام هوارد تافت كمرشح لحزب ثالث في النهاية إلى فوز وودرو ويلسون.
ومع ذلك، فإن هذه الأمثلة لا تعكس نقطة التحول المهمة التي يراها الخبراء في المناخ السياسي الحالي. عند البحث عن مقارنات تاريخية، يرسم كثيرون أوجه تشابه مع حقبة ما قبل الحرب الأهلية التي تميزت بالانقسامات العميقة بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي حول العبودية. وعلى رغم أن فكرة الانفصال تبدو غير محتملة اليوم، فإن المحادثات التي تدور حولها من حين لآخر بين بعض المجموعات في ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس تسلط الضوء على الشعور العميق بالعزلة الذي يشعر به عدد من الأميركيين.
أخيراً، نقلت الصحيفة عن شون ويلنتز، وهو مؤرخ في جامعة برينستون، قوله إن بعضهم يميل إلى الخوف من الحرب الأهلية عندما يتم ذكر خمسينيات القرن الـ19. وأوضح أنه لا يتوقع مثل هذه النتيجة، لكنه أكد أن التاريخ يمكن أن يقدم رؤى عندما تخضع المؤسسات لتغييرات كبيرة أو تضعف بصورة كبيرة. ويلنتز رأى أن الوضع الشاذ الحالي لم يتم استيعابه بشكل كامل من قبل كثيرين، مما يثير بالغ القلق.

اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *