جلال احمد الشيباني
يقع دكان سعادة في الجانب الأيمن لقرية الرحبة والتي تعتبر جزء من قرية عشرات او لنقل انها امتداد لها مع وجود فاصل يكشف نوايا تفاصيل تمييز من نوع ما في تلك الفترة ، ولا تستغربوا لهذا التوصيف الخاص بتلك المرحلة والتي كانت جزءا اصيلا من حياة الناس وتفسيراتها التي تتجاوز الواقع المعاش وتعطيه ابعادا غير واقعية , ومن هذه التناقضات تم إطلاق هذا الأسم كجزء من ثقافة العزل للمهمشين في منطقتنا والتي يسير عليها مجتمعنا منذ زمن بعيد ، على الطريق يمينا يقع دار سعادة والذي يعتبر جزء اصيل وعنوان واضح لقرية الرحبة ، في وسط الدار يقع باب دكان سعادة الذي كان مصدر للبهجة لكل أطفال القرية ، وسعادة نفسها شخصية مبهجة لكل من يلتقي بها وبالاضافة الى دكانها فهي تجيد الغناء والضرب على الدف وتحفظ الكثير من اغاني التراث الشعبي وتجيد الرقص البلدي على الرزين والرزين رقصة شعبية جميلة قريبة من الرقصة الزبيرية ، ودائما ماتخلق سعادة البهجة والسرور في كل مكان تذهب اليه ، في دكانها تصبح شخصية مختلفة تماما او هكذا كنا نراها كنتاج طبيعي لعلاقة البائع بالمشتري القائم على الربح وغالبا ماكنا نعود خاليين الوفاض في حالة عدم كفاية المبالغ التي بحوزتنا لشراء مانريد ونقطع طريقا طويلا بين الدكان وقريتنا للعودة والمحاولة من جديد من أجل الحصول على الزخم او شراب غوار ومنه نصعد طريق العارضة للعودة إلى قريتنا شاعرين بالزهو والفخر كالفارس الذي يعود منتصرا من الحرب ، قال رفيقي في وقت لاحق ممازحا وضاحكا :
لقد بدأت الراسمالية سيطرتها على العالم من دكان سعادة .
وعلى سبيل التندر والفكاهة ايضا اضاف
ولإنها تملك بقرة والتي تعتبر من وسائل الإنتاج حتى خفنا عليها من حركة التأميم في تلك الفترة .
وفي طريق حديثنا عن الرأسمالية حكى لنا رفيق آخر قصة صالح مصلح حينما زار امريكا وشاهد ناطحات السحاب قائلا : (مكنوننا الرأسمألية تحتضر والله يااولاد الحرام مانحتضر الا احنا) .
يبدو الامر مضحكا ومحزنا بنفس الوقت نتيجة المفارقات بين النظرية والواقع الصعب الذي يعيشه الناس .
على يمين دار سعادة واعلى بقليل يقبع منزل الرفيق احمد الحديبي الذي كان يمثل ثقافة البروليتاريا التي كانت تبحث لها عن مكان في الواقع الثوري المسنود بالنظرية الثورية التي تفسر الواقع كما هو في الكتب دون الحاجة لتفسير الحياة اليومية وفق قواعدها المجتمعية
دار غباش ايضا في اعلى قرية الرحبة كان يمثل عنوان من عناوين العمل والأنتاج وتحقيق المكاسب بعيدا عن تلك الصراعات وفق المبدأ المكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة ) وكان العمل هو ديدنها في كل شئ من اجل كسب المال بعيدا عن بقية التفاصيل والصراعات التي تحرفهم عن مسارهم مع الحفاظ على المشاركة في إبراز التراث الشعبي والمحافظة عليه .
عن أنفسنا لم نكن نهتم باي تفاصيل غير دكان سعادة ومحتوياته وماهو الجديد الذي جلبته لنا لنشتريه بسرعة ونعود بها لقريتنا
ولم نعرف ابدا تفاصيل ومحتويات هذا الدكان الذي يجلب لنا السعادة بشكل دقيق ، فقد كان مظلما حتى في النهار وكانت الدكة التي امام الدار هي استراحة المحارب التي نلجأ اليها انتطارا للحصول على مانريد .
في دكان سعادة ظهر لنا فجاءة شخصا غريبا وبسرعة البرق اطلقنا عليه أسم محمد سعادة ، ولم نهتم باي تفاصيل شخصية تخصه ، كان يجلس في الدكان اثناء غيابها وكان ودودا ومسالما ولا يتحدث كثيرا واحبه جميع اطفال قريتنا حيث اعتبرناه جزء من جو السعادة التي يخلقها هذا المكان في نفوسنا ، قالوا انه قريب سعادة ومن منطقة غرب بني شيبه وقد عاد من الجنوب ليستقر هنا ، وبسرعة تكيفنا وخلقنا جو من الانسجام والتفاهم معه .
كانت سعادتنا تكتمل حينما يرسلنا احد كبار قريتنا لشراء باكت سيجارة وسعيد الحظ من يقع عليه الأختيار ويسابق الريح في الوصول لدكان سعادة والجميع يلحق بعده واحيانا يسبقوه كجزء هام من تقاليد الفرح الطفولي في قريتنا .
اليوم في قريتنا لم يعد الرفيق احمد الحديبي قادرا على إكمال طريقة الثوري نحو الخلاص من الرأسمالية التي سحقت الجميع تحت أقدامها وقوانينها ، وماتت فكرة العمل والانتاج لدى الفريق المؤمن بنظرية مكيافلي ، وتم تهجير سعادة ومعها تراثها وبهجتها ولم نعد نعرف عنها اي شئ ، وبقت الاماكن شاهدة على مرحلة جميلة من حياتنا وذكرياتنا وانتهى دكان سعادة ولم تنتهي الرأسمالية التي قضت على روح الحياة في ريفنا وتركت ناسها ينتظرون المنظمات والمساعدات دون أن يفعلوا شيئا سوى الإنتظار