بقلم / علي عبد الملك الشيباني
شاهدتُ قبل قليل حديثَ علي البخيتي ونايف حسان؛ حديثًا ينطق بحقيقةٍ مُرّة: أنّ الوحدة لم تُمنَح يومًا فرصةً لتكون حلمًا وطنيًا، بل جُعلت جسرًا لعبور خيانةٍ قديمة، وساحة لتصفية ثأر مؤجل منذ هزائم 1979، حين ارتجفت صنعاء تحت وقع زحفٍ جنوبيٍّ كاد يبلغ ذمار، لولا وساطة أطفأت نارًا كادت تشتعل في الأعماق.
لم تكن الوحدة مشروعًا للملمّة وطنٍ مجروح، بل امتدادًا لنهجٍ طويل من الغلبة والتسيد، وشهية مفتوحة للنهب والفيد. جاءت والجنوب مثقل بجراح 86، مُثخنًا بانقسامٍ مناطقي جرح روحه قبل جغرافيته، فكان الدخول في وحدةٍ على تلك الحال أشبه بوضع جناحٍ مكسور في مهبّ إعصار.
ثم جاءت حرب 94 لتسدل ستارًا ثقيلًا على ما تبقّى: تُقصي جيشًا، وتجرف مؤسسات، وتنهب أرضًا وثروة، حتى بدا الجنوب وطنًا يُعاد تشكيله تحت يد قوى قبلية وعسكرية ودينية أحكمت قبضتها على كل شيء، من ثروات النفط إلى مقاعد القرار.
وفي زمن الحراك، مضى النظام في خطة مُحكمة: ضخّ الكراهية في عروق الجنوبيين ضد أبناء تعز، اتقاءً لالتقاء جراحٍ متشابهة، فالتعزي كان قد سبق الجميع في تذوّق مرارات الاستقواء والتحقير. نجح المخطط، وتحوّلت الشبهات إلى جدرانٍ صلبة، مع أنّ عبد الفتاح والشرجبي — اللذين يُحمّلهما البعض وزر التاريخ — لم يكونا إلا وجهين في قيادةٍ جنوبية كانت البلاد في عهدها أكثر تماسكًا وقوة.
فالذين اجتاحوا الجنوب ونهبوه معروفون، ولم يكن عفاش شيبانيًا ولا علي محسن دبعيًا ولا الأحمر صلويًا ولا اليدومي عريقيًا ولا علي ناصر ذبحانيًا.
لذلك لا يُلام الجنوبي على رفض وحدةٍ جاءت على هيئة سيفٍ مصلت فوق رقبته. فالوحدة التي لا تحفظ كرامة الشريك ليست وحدة، بل قيدٌ يُعاد إحكامه كل يوم. وما يوجع حقًا أنّ النظام السابق نجح في تمزيق النسيج بين الشمال والجنوب، حين كان ينبغي أن تتحد نقمتهم على من لوّث الصفحة البيضاء التي وُلدت عليها الوحدة، وعلى من يواصل اليوم حمل إرث أكثر ظلمًا وقسوة.
ولو أُتيحت لهذه الوحدة روحٌ عادلة، لكان بإمكانها أن تشبه وحداتٍ أخرى مضيئة… كالوحدة الألمانية التي حققت ما عجز عنه غيرها: أن تكون وطنًا لا غلبة فيه، وعدالة لا تُقصي أحدًا.