كتب / صالح هبرة في صفحته
الحقيقة أننا لا نملك رؤية واضحة عن كيفية إدارة واقعنا والنهوض بشعوبنا:
مشكلتنا كشعوب عربية تكمن في: أننا لم تستفد من الدروس والأحداث، ولم نعوّد أنفسنا على تقييم ومراجعة أخطائنا لتلافي الوقوع فيها مرة أخرى؛ وذلك لأن الجهل والعناد مسيطران علينا؛ ما جعل مواقفنا ارتجالية وخاضعة لتأثيرات العاطفة أو ردود الأفعال.
ولذا نعيش دائما في ثورات وصراعات لا نهاية لها، وكلما خرجنا من أزمة دخلنا في أخرى، وذلك يعود لكوننا لا نملك رؤية واضحة عن كيفية إدارة واقعنا والنهوض بشعوبنا.
وأعتبر أن ما أفرزته ثورات “الربيع العربي” من إخفاقات وفشل أعظم دليل على ذلك.
لقد أثبت الواقع أنها لم تكن تملك روية واضحة، ولا مشروعا لبناء دولة والانتقال بالبلد إلى الأفضل.
ولا قدرة لها حتى على مستوى أن تفرق في خطابها وهي في مرحلة الثورة، وخطابها عندما تحولت إلى دولة،
ولا بين مهام ودور علماء الشريعة ومهام ودور علماء الطبيعة، ولا بين ما هو يخضع للعقل البشري ويحتاج إلى دراسة وعلم ومنطق وهو من اختصاص البشر، وبين ما هو غيبي ويكون فيه التدخل المباشر من الله.
الآن وبعد أن وصلت الشعوب إلى قناعة بفشل تلك الثورات، ها هي قد بدأت تعد لثورات عليها، ولتتخلص منها، لكنها لاتزال تعيش نفس الإشكالية، وهي: انعدام الرؤية، وعدم امتلاك أي مشروع، ما يعني ذلك أنها ستقع في نفس المشكلة، وستعالج الخطأ بخطأ مثله، وبالتالي تبقى في نفس الدوامة، ثورات.. وصراعات.. إلى مالانهاية.
دمرت الأوطان وأنهكت الشعوب وضاعت ولم تصل إلى نتيجة.
إن وعي الشعوب يعتبر أهم قضية لتجاوز هذا الواقع المرير، فالشعوب هي من تقيم الأنظمة الفاسدة ومن تسقطها.
أدعو أصحابنا إلى أن يدركوا حقيقة الواقع، لأن ورقة دعم فلسطين لم تعد مجدية لا مع الداخل ولا مع الخارج، وأنصح أصحابنا بأن يقبلوا بالحوار ويتنازلوا من موقع قوة، قبل أن يخسروا كل شيء ويتنازلوا في الوقت الضائع من موقع ضعف، من لم يتعظ بغيره ضاع.
الشعب تعب والكروش التي أتخمت بأموال الشعب لم تعد قادرة على أن تعمل شيئًا، والمواطن الهالك جائع، وأصبح يخجل أمام أطفاله الذين عجز أن يشبع جوعتهم ويكسوا جلودهم النحيفة في هذا الصقيع، والمقاتل الشرس لم يعد يقبل أن يقاتل بجوعه والمشرف متخم بخيرات الشعب سواء في الحرب أو في السلم، فالوضع تغير، وأصحاب الطيرمانات والكروش المنتفخة بأموال السحت هم من تجب عليهم المواجهة والفقراء عليهم أن يبحثوا عن لقمة العيش لأطفالهم، وكاد الفقر أن يكون كفرًا.. القادة عليهم أن يكونوا في بداية الصفوف كي يتخذ الله منهم شهداء، وأمة لا تقدم قادتها شهداء لا مشروع لها.